بنك الجلد البشري !
بنك الجلد البشري: خلفيات وتفاصيل حول اتهامات سرقة الأعضاء البشرية في النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي
خلال العقود الأخيرة، تكررت الاتهامات ضد سلطات الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب انتهاكات خطيرة بحق جثامين الشهداء الفلسطينيين، من بينها مزاعم تتعلق بسرقة الأعضاء البشرية. وقد أُعيد تسليط الضوء على هذا الملف بعد التقارير التي أشارت إلى اختفاء جثث عدد من الشهداء الفلسطينيين عقب عمليات عسكرية إسرائيلية في قطاع غزة، لا سيما في مجمع الشفاء الطبي، الأمر الذي أثار استياءً واسعًا على المستويين المحلي والدولي.
سياق الحدث في مجمع الشفاء
في نوفمبر 2023، تداولت وسائل إعلام محلية ودولية تقارير تفيد بأن الجيش الإسرائيلي قام بنقل عدد من جثث الشهداء الفلسطينيين من داخل مجمع الشفاء الطبي أثناء عملية انسحاب مؤقتة. ورغم عدم الإفصاح الرسمي عن الغرض من هذا النقل أو الوجهة النهائية للجثامين، أثار هذا الحدث موجة من التساؤلات والقلق، خاصة في ظل تاريخ من التقارير التي تحدثت عن ممارسات مشابهة في السابق.
خلفية تاريخية: قضية سرقة الأعضاء
تعود جذور الحديث حول موضوع سرقة الأعضاء البشرية إلى بدايات الألفية الثالثة، عندما نشر الصحفي السويدي "دونالد بوستروم" تحقيقًا استقصائيًا في صحيفة "أفتونبلادت" عام 2009، تناول فيه مزاعم عن سرقة أعضاء من جثامين الشهداء الفلسطينيين. وقد أشار التقرير إلى أن هذه الأعضاء كانت تُستخدم لأغراض طبية، من بينها علاج الحروق وزراعة الأنسجة، كما تحدث عن وجود بنك جلود بشري في إسرائيل.
بحسب التقرير، فإن هذا البنك أنشئ عام 1986 بإشراف وحدة الطب العسكري، ويحتوي على مخزون كبير من الجلد البشري يستخدم في علاج الحروق. وأشار بوستروم إلى أن مصادر هذا الجلد كانت تشمل جثامين غير معروفة الهوية، وهو ما فتح باب التأويلات بشأن المصدر الأساسي لتلك الأنسجة.
مواقف رسمية وتفسيرات إسرائيلية
في أعقاب الجدل الذي أثاره التقرير السويدي، نفت السلطات الإسرائيلية أي ممارسة ممنهجة تتعلق بسرقة أعضاء الشهداء الفلسطينيين، معتبرة أن ما ورد في التحقيق الصحفي يفتقر إلى الدقة. وصدرت تصريحات من مسؤولين إسرائيليين تؤكد أن أي استخدام لأعضاء بشرية يتم ضمن الإطار الطبي الشرعي وبموافقة الجهات المعنية، مع التشديد على أن هناك قوانين تنظم عمليات التبرع بالأعضاء في إسرائيل.
رغم ذلك، أشار تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أن معهد الطب الشرعي "أبو كبير" كان يجري في فترات سابقة عمليات أخذ أعضاء مثل القرنيات والجلد من جثث دون موافقة أسر المتوفين، وذلك حتى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهي ممارسة تم التوقف عنها لاحقًا بحسب تصريحات رسمية.
اعترافات موثقة وشهادات علمية
في العام ذاته، أثار فيلم وثائقي عرض في التلفزيون الإسرائيلي جدلاً واسعًا، حيث تضمن تصريحات من الطبيب الشرعي السابق "يهودا هيس"، الذي أكد أن معهد "أبو كبير" قام بالفعل في سنوات سابقة بأخذ أعضاء بشرية من جثث دون إذن العائلات. وذكر أن هذه الممارسات شملت قرنيات وجلد وصمامات قلب وعظام، وهو ما عزز من مصداقية الاتهامات التي تناولها الإعلام الدولي.
الدكتورة "مئير فايس"، وهي عالمة إنسانيات إسرائيلية، أوردت في كتابها "على جثثهم الميتة" تفاصيل دقيقة حول ما كانت شاهدة عليه خلال عملها البحثي في معهد الطب الشرعي الإسرائيلي بين عامي 1996 و2002. وأكدت أن أخذ الأعضاء من جثامين الفلسطينيين كان يتم دون علم أسرهم، في حين كانت تُعاد جثث الجنود الإسرائيليين دون أي تدخل جراحي يذكر.
المنظور القانوني والحقوقي
قضية سرقة الأعضاء تُعد من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان، حيث تتعارض بشكل صارخ مع مبادئ القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف. وقد عبرت منظمات حقوقية دولية ومحلية عن قلقها المتكرر إزاء التعامل مع جثامين الشهداء الفلسطينيين، بما في ذلك استمرار احتجازها ومنع تسليمها لعائلاتهم، وهو ما تعتبره هذه المنظمات نوعًا من العقوبة الجماعية.
وفقًا لتقارير حقوقية فلسطينية ودولية، فإن سلطات الاحتلال لا تزال تحتجز جثامين ما لا يقل عن 370 شهيدًا فلسطينيًا في ما يُعرف بـ"مقابر الأرقام" أو في الثلاجات، رغم مطالبات متكررة بالإفراج عنها لتمكين ذويهم من دفنهم وفق الطقوس الدينية والإنسانية.
أبعاد نفسية واجتماعية
يمثل احتجاز الجثامين وعدم الكشف عن مصير الأعضاء المأخوذة من الشهداء مصدر ألم بالغ لأسرهم، إذ يحرمهم من الحق في تشييع ودفن أحبائهم بشكل لائق. كما أن الاتهامات المستمرة بسرقة الأعضاء تُغذي مشاعر الإحباط والشك لدى المجتمع الفلسطيني، وتزيد من تعقيد العلاقة بين السكان المحليين وسلطات الاحتلال.
وتشير شهادات بعض العائلات إلى أن سلطات الاحتلال كانت تعيد جثامين شهداء في حالة تجميد شديد، بحيث يصعب تشريحها أو التحقق من حالتها، كما يُفرض على العائلات دفن الجثث في وقت محدد ودون السماح بإجراء فحوصات طبية مستقلة، وهو ما يعزز من فرضية وجود ما يُراد إخفاؤه.
مسؤولية المجتمع الدولي
على الرغم من تكرار هذه القضايا خلال العقود الماضية، فإن الاستجابة الدولية غالبًا ما كانت محدودة أو خاضعة لحسابات سياسية. منظمات مثل الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان طالبت مرارًا بإجراء تحقيقات شفافة ومستقلة في مزاعم التعدي على جثامين الشهداء، لكن لم يتم حتى الآن فتح تحقيق دولي رسمي شامل في هذه المسائل.
إن هذه الوقائع تسلط الضوء على ضرورة توفير حماية دولية للمدنيين الفلسطينيين سواء أحياءً أو أمواتًا، ومحاسبة أي طرف يثبت تورطه في ممارسات مخالفة للقانون الدولي، بما في ذلك سرقة الأعضاء أو التعدي على كرامة الموتى.
خاتمة
تبقى مسألة التعامل مع جثامين الشهداء الفلسطينيين، سواء من حيث الاحتجاز أو المزاعم المتعلقة بسرقة الأعضاء، إحدى أبرز القضايا الأخلاقية والإنسانية المرتبطة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ورغم أن بعض هذه المزاعم تم توثيقها بشكل جزئي أو كلي عبر تقارير صحفية وحقوقية، إلا أن الحاجة لاتخاذ خطوات قانونية ومؤسسية واضحة لا تزال قائمة لضمان الشفافية، والعدالة، واحترام كرامة الإنسان.
نأمل أن تسهم تسليط الأضواء على مثل هذه القضايا في دفع المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف أكثر حزمًا لحماية المدنيين، وتحقيق العدالة للضحايا وعائلاتهم، بصرف النظر عن التوجهات السياسية أو السياقات الجغرافية.
تبقى مسألة التعامل مع جثامين الشهداء الفلسطينيين، سواء من حيث الاحتجاز أو المزاعم المتعلقة بسرقة الأعضاء، إحدى أبرز القضايا الأخلاقية والإنسانية المرتبطة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ورغم أن بعض هذه المزاعم تم توثيقها بشكل جزئي أو كلي عبر تقارير صحفية وحقوقية، إلا أن الحاجة لاتخاذ خطوات قانونية ومؤسسية واضحة لا تزال قائمة لضمان الشفافية، والعدالة، واحترام كرامة الإنسان.
نأمل أن تسهم تسليط الأضواء على مثل هذه القضايا في دفع المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف أكثر حزمًا لحماية المدنيين، وتحقيق العدالة للضحايا وعائلاتهم، بصرف النظر عن
التوجهات السياسية أو السياقات الجغرافية.
تعليقات
إرسال تعليق