أين يقع جبل قاف أو موميرو الذى ذكر في القرآن؟ من هم ال 70 أمة الذين يعيشون خلفه؟ وماذا قال عنه النبي
أين يقع جبل قاف؟ ومن هم الأمم التي تعيش خلفه؟ نظرة بين الأسطورة والدين
لطالما أثار جبل قاف جدلاً واسعًا بين المؤرخين والباحثين في الأساطير والأديان، لما له من حضور غامض في الروايات القديمة. يُذكر في مصادر متعددة، ويتكرر اسمه في قصص خيالية، وأحيانًا يرتبط بتصوّرات غيبية أو رمزية عن شكل الأرض وحدودها. فما حقيقة هذا الجبل؟ وهل ورد في القرآن الكريم أو في الحديث الشريف؟ ومن هم السبعون أمة الذين قيل إنهم يعيشون خلفه؟ لنستعرض الآراء والروايات مع تحليل متوازن بين الأسطورة والدين والعلم.
جبل الأوليمب في الأساطير الإغريقية
في الحضارة الإغريقية القديمة، التي تُعد من أقدم حضارات الأرض، كان جبل "الأوليمبوس" هو الموطن المقدّس للآلهة، وعلى قمته بُني قصر الإله زيوس، وفقًا للأسطورة. بارتفاع يقترب من ثلاثة آلاف متر، يُعتبر أوليمبوس أعلى جبل في اليونان. ورغم أن هذه المعتقدات لا تستند إلى حقائق علمية أو دينية، فقد كان للجبل دور روحي وثقافي بارز، ورُسم في المخيلة الإغريقية كمركز للسُّلطة الإلهية.
جبل ميرو في المعتقدات الهندوسية والبوذية
في الديانة الهندوسية، يُطلق على الجبل اسم "ميرو" أو "سوميرو"، ويوصف بأنه جبل هائل من الذهب الخالص، يقف في مركز الأرض، وتخترق جذوره أعماق الكوكب حتى الجحيم السفلي، بينما يمتد قمته إلى الجنان العليا، وفقًا لنصوص الفيدا القديمة. يُعتقد أنه مقر للآلهة الرئيسية مثل براهما، فيشنو، وشيفا، ويحرسه أربعة ملوك سماويين.
أما في البوذية، فالجبل يمثل المركز الكوني للعالم المادي والروحي. وتدور حوله الشمس والقمر، فيما تحيط به سبعة جبال من الذهب، تفصل بينها بحار شاسعة، ما يعكس رؤية كونية رمزية وليست جغرافية.
الجبل في الديانات السماوية: وجود أم مجاز؟
1. اليهودية
يرتبط اسم الجبل المقدّس في الفكر اليهودي الحديث بـ"جبل الهيكل"، الذي يُعتقد أنه يقع أسفل المسجد الأقصى، ويُقال إن النبي سليمان بنى عليه هيكله واحتفظ فيه بتابوت العهد. إلا أن علماء الآثار لم يعثروا حتى الآن على أي دلائل مادية تؤكّد هذه الروايات.
2. المسيحية
لا يُذكر جبل قاف بشكل مباشر في المسيحية، لكن هناك جبال ذات طابع ديني، مثل "جبل الزيتون" الذي ارتبط بصلوات المسيح عليه السلام، ويُعتقد أنه صعد منه إلى السماء.
3. الإسلام
في التراث الإسلامي، ذُكر "جبل قاف" في بعض كتب الأدب والرحلات مثل "عجائب المخلوقات" للقزويني، حيث قيل إنه جبل يحيط بالأرض وهو من الزبرجد الأخضر، ومنه يستمد لون السماء زرقتها. لكن هذه التصورات لم ترد في القرآن أو الأحاديث الصحيحة، وأغلب العلماء يصنفونها ضمن الإسرائيليات.
ابن كثير وغيره من كبار المفسرين نفوا وجود الجبل من حيث الحقيقة، ورجّحوا أن ما ورد حوله ليس إلا روايات لا تُبنى عليها أحكام دينية. وقيل إن "قاف" في بداية سورة "ق" هو حرف مقطّع مثل "ن" و"ص"، دون أي دلالة على جبل.
الروايات حول الأمم السبعين خلف جبل قاف
نُسبت إلى بعض كتب الحديث والسير روايات تقول إن خلف جبل قاف تقع سبعون أمة، خُلقت من الريح، وطعامها وشرابها من الريح، ودوابها من الريح. وأن بعض هذه الأمم يطيرون في الهواء لا يفترون عن التسبيح، وأعينهم في صدورهم، لا يعلمون بوجود بني آدم أو إبليس.
لكن علماء الحديث شددوا على ضعف هذه الأحاديث وعدم ثبوتها، وأنه لا يجوز الجزم بها. وتُصنف مثل هذه الروايات ضمن الأدبيات الخيالية التي تهدف إلى إثارة الوجدان لا نقل الحقائق.
تحليل علمي ومنطقي للروايات
من منظور علمي، لم تُثبت أي من هذه الروايات حول الجبال أو الكائنات الغريبة التي تعيش خلفها. لا توجد خرائط علمية تشير إلى وجود جبل يحيط بالأرض كما في الرواية القديمة، ولم تُكتشف أمم لا تعرف البشر تعيش خلف الجبال. الجغرافيا الحديثة تؤكد أن القطبين الشمالي والجنوبي لا يحتويان على أي تضاريس بهذه الطبيعة.
كذلك، لا يمكن تأكيد وجود "أمم خُلقوا من الريح" دون أي دلائل حسية أو نصوص شرعية صحيحة تدعم ذلك.
خاتمة: الأسطورة بين الخيال والوعي الديني
جبل قاف مثالٌ حي على التداخل بين الميثولوجيا والرمزية الدينية في تاريخ البشرية. ففي الوقت الذي تحتفظ فيه هذه القصص بجمال سرديّ وغموضٍ يحرّك الخيال، تبقى الحقيقة الدينية والعلمية هي المعيار الذي يُعتمد عليه في بناء العقيدة.
ينبغي للباحثين والكتّاب، عند تناول هذه المواضيع، أن يفرّقوا بين ما هو موثوق ومثبت، وبين ما هو خيالي أو مجازي، وذلك احترامًا للوعي العام والتزامًا بالمنهج العلمي والديني السليم
تعليقات
إرسال تعليق